recent
أخبار ساخنة

مع الأب يوسف حبي والأب روبير الكرملي والأستاذة فاتنة حمدي

الأب يوسف حبي

كانت إحدى الموظفات في بيت الحكمة تراني مع الأب يوسف حبي، وتُرحب بنا وتستقبلنا استقبالاً حسناً، وكانت تظنُّ أني ابنه. هذا ما قالته لنا في يومٍ ما، فضحكنا... أما الأب يوسف حبي فقد قال لها إنه ابني أو هكذا أعدُّه ولكن ألا تعلمين أنني قس أو كاهن وغير متزوج؟! مع كلمات أخرى كان يمزح بها. وكنتُ أبتسم لتلك الانطباعات والتصورات والمفارقات..! وأقول له معها حق، فقد كانت صلعتي قد بدأت تسير على خطى صلعته.. صلعة ونظارات...
يوسف حبي روبير الكرملي فاتنة حمدي فيصل غازي مجهول

كانت تلك الأيامُ عندي أيام صعودٍ ونشاط وأمل وتحدٍّ واقتحام... أحياناً تعيش في ظرفٍ صعب لكنك تسمعُ صوتَ الأيام يَعدُك بشيءٍ ما.. ويتحقق الوعد. وأحياناً تعيش والأيام صامتة لا تعدُ بشيءٍ ولا تشير إلى شيء قط.

**********

في تلك المدة ناقشَ الأب يوسف حبي رسائل ماجستير وأطاريح دكتوراه في قسم الفلسفة، كلية الآداب، جامعة بغداد، وحضر بعض أنشطة القسم الثقافية. وبحسب معلوماتي فإن رسالتي للماجستير كانت أول رسالة قد ناقشها في كلية الآداب، وإن آخر ما ناقشه أطروحتي للدكتوراه. وبين هاتين المناقشتين مناقشات أخرى([1]).

يوسف حبي، روبير الكرملي، فاتنة حمدي
وأود أن أشير إشارةً سريعة إلى أسلوبه في المناقشة، فقد كان ميالاً إلى الاختصار الشديد، ومرةً قال لي إن المناقشات عندكم تستغرق وقتاً طويلاً، مع ملاحظات أخرى أبداها وأنا مقتنع بها. لم يكن يستغرق وقتاً طويلاً لكنه كان يسأل أسئلةً مركزة دقيقة، ويذهب إلى صلب الموضوع. لا يستعرض معلوماته ولا يُسيء إلى الطالب، بعيد عن الادعاء والتكلف، يُغني الرسالة بملاحظات مفيدة.

كنتُ في تلك السنوات قريباً منه جداً ولا أظن أنه قد ناقش في جامعات عراقية غير جامعة بغداد. والكلام هنا عن المناقشات حصراً، وإلا فإن أنشطته متعددة، في أكثر من قسم من أقسام بيت الحكمة، والمجمع العلمي العراقي والجمعية الفلسفية العراقية، ومؤسسات دينية وثقافية عدة.

يوسف حبي، فاتنة حمدي، روبير الكرملي

**********

رأيتُه آخر مرة قبل يوم من سفرته الأخيرة؛ سفرة الموت إلى الأردن. وعندما ذهبتُ في اليوم الثاني إلى كلية بابل وجدتُ وجوهاً متفاجئةً حائرة مستغربة متسائلة حزينة. وكان ما كان ووصلت الجنازة وحضرتُ التشييع. ثم كتبتُ تأبيناً بعنوان "كان يُسعد الناسَ، والناسُ به سُعداء":

مَنْ يُحطِّم صخورَ القبرِ     غير الحب؟

ومَن يَصلُ الحيَّ بالميتِ     غير الحب؟

هذا ما ابتدأتُ به كلمتي في تأبين الأب يوسف حبي، بتاريخ 17/11/2000 في كنيسة مار كوركيس. ولأن ما كتبتُه لم يُنشر في مكان بحسب علمي فإني أنشره الآن بعد مرور مدة طويلة عليه، ولم أغير فيه شيئاً، الكلمات نفس الكلمات، لكن ترتيبها مختلف، فقد كتبتُ جزءاً من الكلمة سطراً تحتَ سطر، والآن دمجتُ الأسطر وجعلتُها متصلة ووضعتُ بينها نقاطاً.. فإن قرأتَها بوصفها شعراً أو نثراً فلا أمانع ولا أدافع.

كتبتُ: لقد فوجئنا بخبر وفاته، ويا لها من مفاجأة مؤلمة. وفي لحظةٍ استعدتُ كل ذكرياتي معه، منذ أول لقاء لي به، حتى آخر لقاء قبيل سفره، بل قبيل وفاته بساعات. وكان في لقائه الأول، وفي لقائه الأخير، كعادته، مُرَحباً بالزائر مبتسماً مبتهجاً.

تمنيتُ دائماً أن يكون الفقيد الأب يوسف حبي معنا، فقد كان نعم المشجع والمرشد والمعلم، لكن الزمان يسرق الأحبة واحداً تلو الآخر، فما يكاد جرحُنا يلتئم حتى يفتح لنا جرحاً آخر.

قليلُ الشكوى والتذمر، مرحٌ، يُنجز بصمتٍ أضعافَ ما يُنجَز بضجة، تفتحُ له قلبَك ولا تخشى منه شيئاً، يستوعب الفكرة، يحترم الرأي، لا يُقلِّلُ من شأنِ أحد، منفتحٌ على العالم. تتمناه كليات ويتمناه طلبة، مُرحَّبٌ به أنَّى حلَّ وأنَّى أقام. لا يخوض في مشكلاتٍ سطحية، لا يضع الحطب في نار الخلاف، بل يسكبُ الماء عليها. يُسابِقُ الزمان، يُحسُّ بأنَّ شعلة الحياة ستنطفئ قريباً، فيُشعلها بالعلِم والعمل. واثقٌ بنفسه وبالآخرين، يشاركك الأحزان، يقاسمك الهموم، يشاطرك الأفراح والنجاح، أكثرُ منك فرحاً بنجاحك.

وفي الحياة سعادةٌ وآلام، نور وظلام، وكان يُريكَ منها السعادة والنور. تُهديهِ ضحكةً وابتسامةً فيردُّها إليك ضحكات وابتسامات، يفهمها منك إشارةً قبل الكلام. يُرشدك وينصحك بعيداً عن كلمات المُرشدين والوعاظ الرتيبة. أكثرُ الناس شباباً إذا ما قيسَ الشبابُ بالعطاء. لا يَبخلُ بالمساعدة، يُعطي بلا منة. لقد زرع الحُبَّ في كل مكان، فهل يموتُ ذلك الذي يزرع الحُب؟

مِن تحت تُرابٍ وصخور.. من بين عظامٍ وقُبور.. أسمعُه اليومَ يُنادينا.. ويُبدد صمتَ ليالينا.. هذي كتبي هذا قلمي.. هذي أشعاري كلماتي.. أترُكها بينَ أياديكم.. ما زلتُ أعيش بداخلكم.. فإذا كُنتَ تريدُ لقائي.. ستراني بينَ أعزائي.. رجالٍ ونساء وشيوخ.. في بسماتِ الطفل الحلوة.. في صبحٍ يخرجُ من ظلمة.. في الأمس زرعتُ بذور الحب.. وأعطيتُ الأصحابَ هدية.. وسقتْها دمعةُ راهبةٍ.. زهِدتْ في دُنيا زائلةٍ.. وحَماها إنسانٌ مغمور.. لا يملكُ غيرَ سلاح النور.. من غزو طيورٍ وحشية.. ستصيرُ بذوري أزهارا.. وتنشرُ عطر الحرية.. وحين تشمُّ عطور الورد.. سأعيشُ حياةً أبدية.

**********

في بيت أستاذتي الدكتورة فاتنة حمدي

فاتنة حمدي، يوسف حبي

    ثلاثُ أستاذات لي في قسم الفلسفة أكنُّ لهن حباً واحتراماً كبيراً؛ الأستاذة سهيلة علي جواد والأستاذة فاتنة حمدي والأستاذة أميمة الشواف.

سهيلة علي جواد

لكلٍّ منهن مكانةٌ كبيرة عندي، سلوك راقٍ، أمانة، إخلاص، التزام، إنسانية... وقد عشتُ أياماً سعيدة معهن. وما تزال علاقتي بهن حتى الآن جيدة. ولن تقدم الكتابة أو تؤخر شيئاً في قوة العلاقة، فما بيننا أعظم وأصفى وأنقى من الكلمات.


سهيلة علي، فاتنة حمدي

مِن أول لقاءٍ لي بالأستاذة الدكتورة فاتنة حمدي قبل أكثر من ثلاثين سنة إلى الآن، وأنا ازداد إعجاباً بها وتزداد علاقتي بها قوة، لولا بعد المكان في السنوات الأخيرة.

كانت أستاذتي فاتنة حمدي حدثاً مهماً وجميلاً في حياتي، وإني لأتذكر اللقاء الأول بها في قسم الفلسفة، كلية الآداب، وسجلتُه في مذكراتي التي كنتُ قد كتبتُها بالتفصيل مبكراً، وأتلفتُها مبكراً أيضاً، والتي قال لي أستاذي الكبير مدني صالح عندما خبَّرتُه بما فعلتُ بالمذكرات: هذا أسوأ شيء فعلتَه، لأنها كانت مادة تحت اليد تستطيع أن تفعل بها ما تشاء.


وليد الهاشمي، فاتنة حمدي، يوسف حبي، روبير الكرملي

ما يُسعدني جداً أن علاقتي بها لم تمر يوماً بفترة ركود، ولا حتى بمفاجآت غير سارة. وكلما اقتربتُ منها ومن عائلتها ازددتُ حباً لها ولهم. ولزوجها الدكتور وليد الهاشمي منزلة كبيرة في نفسي، بثقافته وعلمه وإنسانيته الكبيرة وتعامله الأبوي وتواضعه الراقي.

كانت رمزاً من رموز الثقافة والمدنية والنقاء والصفاء والتشجيع والطمأنينة. لم أكتب عنها شيئاً في السابق لا لشيء إلا لأنها تسير معي في حياتي كلها، لم أكتب عنها كما أني لم أكتب عن أبي وأمي وأختي وأشخاص كثيرين مهمين مؤثرين في حياتي... إن الكتابةَ عمَّن نحب لا تزيد الحب ولا تعبِّر عنه ولا تعطيه حقه. بل إني أرى أن أقوى حبٍّ هو ما يشعُّ منك بلا كلام.

كلما أصابني ركودٌ حركتني، وكلما أصابني يأسٌ زرعَت الأمل فيَّ، من حيث تدري ولا تدري. إنها تسير وتشع أملاً وتفاؤلاً وجمالاً وخيراً ومحبة. وكنتُ أشعر بانزعاج شديد عندما أرى فيها شيئاً من التشاؤم. فهي متفائلة، أو هكذا رأيتُها، وأحببتُ أن أراها بهذه الصورة دائماً، متفائلة تبعث التفاؤل. إنها تُحس بالآخرين وتشعر بمعاناتهم، كانت كريمة مع أشخاص عدة في أوقات حرجة. فعلت أشياء كثيرة بصمتٍ، لأنها ليست بحاجةٍ إلى إعلان...

درسَّتنا الفلسفة الحديثة والمعاصرة، ومواد أخرى في الدراسات العليا. وعلى الرغم من ميلها للفلسفة المثالية ولبعض الفلاسفة (كانْت مثلاً)، فإنها كانت تشجع على اقتحام موضوعات جديدة، بل تبادر باستكشاف مناطق مجهولة. كانت تشجع على الجديد والتجديد. وإذا تركتُ الفلسفة جانباً لأنها التخصص الذي يجمعنا، واتجهت إلى مسائل أخرى، كانت الأستاذة فاتنة مشجعة للتراث ولكل ما يخصه، وتحاول أن تُظهر الجانب المشرق من التراث العراقي، سواء كان من العراق القديم أو المعاصر.

في بعض الأمسيات في بيت أستاذتي فاتنة حمدي كنتُ بين أساتذة وزملاء. وقد أصبحت علاقتي بهم قويةً، وزادها الزمانُ قوةً وثقةً ومتعة. وكانوا من الذين يُشجعون الشخص إذا ما رأوا فيه حباً وإخلاصاً للعلم والمعرفة والثقافة. وقد ظننتُ يوماً ما أن هذا أمرٌ طبيعي من الأساتذة.. أو من الكبار تجاه الشباب! لكن تبين لي فيما بعد أن الأمر ليس كذلك دائماً، ذلك بعد أن تعرفتُ على مَن لا يتمنون النجاح لأحد، بل يشعرون بالخوف من المنافسة حتى من الذين لا يمكن أن ينافسوهم بأي شكل. إنها عقدة بل عُقَدٌ، بدلاً من أن تُعالج أخذت تنمو معهم، فصارت العقدة أكبر وأخطر.

لقد جَمَعتنا في بيتها مرات ومرات، وكان الأب يوسف حبي ضيفاً مرات عدة. ومن الضيوف: الأب روبير الكرملي والمطران جاك إسحاق والأخوات ماركريت وألبرتين ونادرة خياط، والفنان محمد غني حكمت، والأب عبدو بدوي، والدكتور خالد القصاب وغيرهم... كانت تدور أحاديث ممتعة مفيدة لا سيما أن التخصصات متنوعة، وأحياناً كنتُ أعزف على العود والناي. ومرةً كان عندنا كتاب عن الموسيقى العراقية مكتوب فيه كلمات ونوتات الأغاني التراثية العراقية، كنا نقلب فيه لنتذكر بعضها. لم يكن الأب يوسف حبي قد رآه، فلما رآه أخذ يُقلبه ويقرأ ما فيه بشغف، فجلستُ معه في مكان منعزل قُرب البيانو، وكان يُقلب في الكتاب ويقرأ كلمات الأغنية ويغنيها، فقلتُ له: "أبونا.. اللحن ليس هكذا!" وكان يضحك.. فهو يقرأ الكلمات ويغنيها كما يشاء.. غناءً يشبه غناء الأوبرا، ولا علاقة له بالأصل. لكنه مستمتع لأنه يقرأ التراث، كان يحب التراث العراقي جداً، وكان يفرح عندما أكلمه عن مسائل في الموسيقى التراثية أو أعزف له شيئاً منها.

وفي إحدى الأمسيات حيَّانا الفنان محمد غني حكمت بطريقة فنية، فقد رسم أو خط أسماء الحاضرين على ورقة A4، وعند النظر إليها تجد اسم: فاتنة ووليد ويوسف وفيصل وأسيل... وكان ذلك في تموز 1999.

الأب روبير الكرملي

تمر في بالي صورٌ عدة عن أشخاص أبعَدَتْهم الأيام عني واحداً تلو الآخر؛ موتٌ أو سفر أو هجرة... ومهما ابتعدوا فإنهم قريبون.. بل هم في القلب.

سمعتُ بالأب روبير الكرملي وسمعَ بي قبل أن يرى أحدُنا الآخر بسبب التفاوت في أيام الحضور. ثم تحقق اللقاء بعد مدة ليست بالقصيرة، وإني لأتذكر تفاصيل اللقاء في ذلك اليوم. كان بدايةً لصداقة أخذت تقويها الأيام، فمنذ اليوم الأول ارتاح أحدُنا للآخر، وإذا كنا نستعمل جملة "حب من النظرة الأولى" لنوعٍ من أنواع الحب فقط، فإني قد أعمم هذا الاستعمال على أنواع أخرى، فقد كان حباً وصداقة واحتراماً وتقارباً من اليوم الأول إلى اليوم الأخير. لقد ذاب فارق السن الذي بيننا، وذاب حتى التوجُّه الفكري. وقد تسألني ما الذي جمع بينك وبين راهب؟ فأقول لك: افهمْها كيفما شئتَ، فما كلُّ شيء يُشرَح ويوضَّح، ويمكنُك أن تفهم بعضه إشارةً أو تلميحاً... كنا كنغمتين مختلفتين لكنهما متوافقتان. فقد جمعتنا أشياء عميقة وأحاديث فيها متعة الاكتشاف والمعرفة. كنتُ لا أخفي عليه ما يدور بعقلي من أفكار، ذلك أنَّ لديه عقلاً كبيراً يفهم الشك والحيرة وصراع الأفكار، ويدرك ما يتوصل إليه العقل الفلسفي أو ما يحتار به. كيف لا يُدرك وهو الذي مرَّ بتجربة وجودية نقلته من حالٍ إلى حال؟ وإذا كان قد رأى المطلق بل كاد يلمسه، فإنه يفهم أن آخَر غيره قد بقيَ في حيرةٍ وشك ولم يحسم أمراً.. ليس حباً بالحيرة ولا ابتعاداً عن الراحة بل قَدَراً يلعب معه لعبةً كبيرة.

كنا نناقش مسائل عدة في الفلسفة والتصوف والدين والإلحاد، وليس هذا أمراً غريباً بين المهتمين أو المختصين، لكن الكلام مع شخص متعمق ودقيق التفكير ليس أمراً متيسراً دائماً. فما أكثر المختصين رسمياً وما أقلهم فعلياً.

لقد منحني الثقة بأمور كثيرة، وقد قال لي بشكل مباشر أشياء عني، وأحياناً كنتُ أسمع من آخرين تربطهم به صلة، وقد كان هذا الشعور متبادلاً. كنتُ أشعر أثناء الحديث معه بالطمأنينة.. وكانت الطمأنينة متبادلة بيننا أيضاً. أتَعرفُ ما معنى أن تطمئنَّ لشخصٍ؟ أن تثقَ بشخص؟

هذا ما جعل الحديث أجدى وأرق وأعمق، وجعل في العلاقة شوقاً وانتظاراً ومحبة. كان صوتُه عميقاً ويتكلم بلهجة واضحة، وعلى الرغم من خصوصية النطق واللكنة فإنه يكاد يكون أوضح الأجانب نطقاً، مع ابتسامة لطيفة ووجه سمح ونظرات يمتزج فيها العمق بالطيبة. يدقق في الكلمات والمصطلحات ويقبل الرأي المخالف برحابة صدر على أن يكون رأياً مقنعاً بحجةٍ وبرهان. كنتُ عندما أراه أشعر بنسمة لطيفة.. كنتُ أنتظر هذا اللقاء، حتى وإن كان بشكل منتظم في كلية بابل، لكني أنتظره. فإنك إذا أحببتَ شخصاً وددتَ أن يطول لقاؤك به.

سمعتُه مرات وهو يعزف على الكمان، ومعه الأخت نادرة خياط التي أكن لها احتراماً كبيراً والتي كانت ترافقه دائماً رفقة الباحث والمساعد والعالم والفنان. كان يختار مقطوعات هادئة وعميقة. ومرةً جمعتنا الأستاذة فاتنة حمدي في بيتها وعزفتُ على العود، وقال إن عزفك هادئ، مع أوصاف وتشبيهات أخرى جميلة وتعني لي الشيء الكثير... كان لا يحب طريقة العزف بقوة أكثر من اللازم، وكنتُ أفهم ما يقصد. لقد كان عازفاً محترفاً، وقد تدرج في الموسيقى تدرجاً صحيحاً، وبقي محافظاً على تقاليد العزف، يضع النوتة أمامه ويعزف بهدوء وتأنٍّ مهما يكن اللحن بسيطاً.

من يعرف الأب روبير الكرملي يعرف أن تخصصه الروحانيات المشرقية، وإذا كان هذا التخصص يدرس الشخصيات الروحانية المسيحية، فإن الأب روبير لم يكتفِ بهذا بل كان مختصاً بالتصوف الإسلامي أيضاً، وله آراء فيه. وكان أيضاً من المعجبين بالفيلسوف الفارابي أكثر من غيره من الفلاسفة المسلمين، حتى أنه طلب مني صورةً للفارابي رآها عندي، وكانت على غلاف مجلة، استنسخها وأعادها إلي، وأظن أنه قد علقها في مكان ما.

ذكرتُ قليلاً من كثير عنهم، وتبقى أشياء قد تُكتب أو تُنشر أو لا.. بحسب الظرف وجدوى الكتابة وفائدة التوثيق وفهم البوح واحترام الشخص وأمر الصمت!

د. فيصل غازي مجهول

(بين النهرين، العدد (187-188) 2019).

[1] عنوان رسالتي للماجستير "تحليل اللغة في رسالة فتجنشتاين المنطقية الفلسفية"، إشراف الأستاذة فاتنة حمدي، بتاريخ 7/7/1997. وعنوان أطروحتي للدكتوراه "نقد ابن رشد لإلهيات ابن سينا"، إشراف الأستاذ مدني صالح، بتاريخ 8/7/2000. أما الأطاريح والرسائل التي ناقشها في كلية الآداب فهي: أطروحة فلاح إحسان غزوان "الإرادة والبطولة عند شوبنهاور ونيتشه" إشراف د. علي حسين الجابري، 18/12/1999. أطروحة باقر إبراهيم "مشكلة العلاقة بين الذات والموضوع في الفلسفة الحديثة"، إشراف د. قيس هادي أحمد، 9/1999. أطروحة أفراح لطفي عبد الله "السببية في الفلسفة الحديثة والمعاصرة" إشراف د. قيس هادي أحمد، 3/9/1998. أطروحة أحمد علي بن علي النصيري "منطق الصراع في الفكر العربي الحديث والمعاصر"، إشراف د. علي حسين الجابري، 23/5/1999. أطروحة محمد أسعد الأسعد "فلسفة برجسون وأثرها في الفكر العربي المعاصر، إشراف د. حسام الآلوسي، 24/11/1997. رسالة ذكاء عبد المهدي المعيني "فكرة الواجب عند عمانؤيل كانت، إشراف الأستاذة سهيلة علي جواد، 15/9/1999. رسالة شرمين حسين عمر "القديس أوغسطين حياته وفلسفته، إشراف د. عبد الستار عز الدين الراوي، 22/1/1998.
author-img
فيصل غازي مجهول

تعليقات

google-playkhamsatmostaqltradent