recent
أخبار ساخنة

في الغلط والمغالطة

غلطَ الإنسان وغالطَ منذ أن كان، وربما كان الغلطُ ثمناً للتعلم والمغالطةُ ثمناً للفوز. وقد اعترف ببعضها أو اكتشفها ثم حاول أن يصححها، وأبقى على غيرها فأوَّلها لأمرٍ ما. وكما أن الأغلاط قديمة قدم الإنسان فإن المغالطات قديمة قِدمه أيضاً، لأن بعض مجالات الحياة قد استدعتها. لكن تصنيف الأغلاط والمغالطات أو الأغاليط جاء متأخراً كأية محاولة من المحاولات الرامية إلى تحليل ظاهرة وبحثها. وقد ارتبطت المغالطات باللغة، ويمكن أن تُعد الرموز والإشارات والإيماءات لغة من نوع ما، لا بل هي لغة، لكن اللغة الأكثر انتشاراً واستعمالاً هي تلك الأصوات التي ينطق بها الإنسان والمكتوبة أيضاً. والبحث في الغلط والمغالطة مسألة مهمة، فلكل مرحلة من مراحل الفكر ولكل ضرب من ضروبه أغلاط ومغالطات، قد تتشابه أو تختلف، ويمحو الزمانُ بعضَها ويخلق غيرها.

    إن الأغاليط أو المغالطات على أنواع عدة، منها ما يتعلق بالإشارة المفهومة والكلمة المنطوقة والمسموعة والمكتوبة والمقروءة، ومنها ما يكون بالقضايا والاستنتاج. وأكثرُ ما ركزتُ فيه فكرةُ التنقلِ بين المجالات، إذ إن نقلَ الكلمة من مجالٍ إلى مجالٍ آخرَ مثيرٌ للذهن، لكن الهدف مختلف، قد يكون جمالياً كما تجده في أساليب البلاغة، أو فكاهةً أو إضحاكاً إذا كان الانتقال مفاجئاً وواضحاً جداً، أو خفياً غير مُنتَبَهٍ إليه فيكون مغالطة، وهذا ما حاولتُ أن أبينه.

    هل تكون المغالطة بين الشخص ونفسه؟ إن الإجابة بنعم أو لا عن هذا السؤال تتعلق بمفهوم اللغة. إذ ربما يُعد التفكير بشكل عام كلاماً أو حواراً داخلياً عند الفرد، أي أنه هو المتكلم وهو المستمع أيضاً. وإذا كانت هذه الفرضية صحيحة فمن الممكن أن يُغالطَ الشخصُ نفسه، وقد تُستعمل هذه الجملة "هذا يغالط أو يخدع أو يوهم نفسَه". لكنني في هذا البحث سأترك هذا الجانب وأبدأ من افتراض وجود شخصين أو أكثر. وبما أن اللغة أمر مشترك بين الناس جميعاً ولا تخص فئة أو تخصصاً معينناً فإني ضربتُ أمثلةً من لغات رسمية وأخرى شعبية؛ ذلك أن المجال الذي أكتب فيه يسمح بهذا.

    قسمتُ الموضوع على فصول أربعة، بحثتُ أولاً في مفهوم الغلط والمغالطة، ثم تناولتُ في الفصل الثاني المغالطات العامة، وخصصتُ الثالث لمغالطات الألفاظ، أما الأخير فكان عن مغالطات الاستنتاج. لكنّ بين هذه الفصول تداخلاً واضحاً. ولم أرم إلى تقسيمها تقسيماً جديداً، بل وضعتُ فروعاً لبعض تلك التقسيمات.

    لم استعمل كتب أرسطو المنطقية مباشرةً بسبب الترجمة واكتفيت بما جاء عند الفارابي أو ابن رشد أولاً وغيرهما من الفلاسفة ثانياً؛ لأن قسماً كبيراً من الأغاليط التي ذكروها يرجع بالأساس إلى تصنيفات أرسطية قد عبروا عنها بما يتناسب واللغة العربية. ولو كنتُ أبحث في أثر وتأثير بين أرسطو والذين كتبوا من بعده في هذا المجال لتتبعت ما كتبه هو في مؤلفاته وما كتبوه هم نقلاً عنه، لكن الأثر واضح لم يُخفهِ أحد. ولم أتتبع المغالطة تاريخياً، فكثيرٌ من المغالطات متشابه مستعمل قديماً وحديثاً، وما دمنا في مجال اللغة فإن بعضاً من الأمثلة لا يصبح قديماً بل يبقى حياً مادامت اللغة المستعملة حية.

مقدمة الكتاب

author-img
فيصل غازي مجهول

تعليقات

google-playkhamsatmostaqltradent