recent
أخبار ساخنة

يوم مع الكلمات

اضطر صاحبي، الذي أحكي لك حكايته مع الكلمات، إلى السفر خارج العراق بمدةٍ قصيرة قبل الحرب أو الاحتلال أو التحرير أو السقوط أو أم المعارك أو الحواسم أو الغزو أو السيطرة، ولحسن حظه لم يغترب كثيراً كأقرانه، أو ربما لسوء حظه! ثم نوى العودة بعد الحرب إلى العراق، لكنه أجلها قليلاً حتى يتحسن الوضع. وعندما لم ير تحسناً مباشراً كما كان يتوقع، عاد إلى العراق، وقال كيفما يكن الوضع فإنني سأعود.

فيصل غازي مجهول
    كان يُدرك أن تغييراً سياسياً كبيراً بمثل هذا الحجم سيغير مظاهر كثيرة في المجتمع. ولن أروي لك دهشته في جوانب عدة من الحياة، بل في اللغة فقط. فقد ظهرت في العراق مسائل اجتماعية كثيرة، وما جرى ليس حدثاً بسيطاً، إنه تغيير كبيرٌ معقد عراقياً وعالمياً. واللغة كأي نتاج اجتماعي تتأثر تأثراً كبيراً بكل ما يحدث. إن كلَّ حدثٍ يحيي كلماتٍ ويُميت أخرى ويغير المعاني والدلالات ويقلبها قلباً. من هذه الكلمات ما هو اختراع صرف أو إحياء لكلمات قديمة أو شيوع كلمات معروفة في العالم غير معروفة في هذا البلد أو ذاك. لم يتعجب صاحبُنا من كلمات باللغة أو اللهجة العامية فحسب، بل بالفصحى أيضاً.

المنطقة الخضراء

أنزله سائق السيارة في أطراف بغداد، وقال له: إلى هنا تنتهي مهمتي، وكما اتفقنا ستنزل هنا لأنني سأوصل المسافرين الآخرين إلى منازلهم القريبة من هذا المكان، ولو لم تكن الطرق مزدحمةً لأوصلتك إلى دارك.

- أنت مشكور على كل شيء، سأتدبر أمري، فلستُ من الذين فارقوا العراق مدة طويلة.

نزل من السيارة واستأجر سيارة أخرى تنقله إلى دار أخيه.

- بكم توصلني إلى...

- السائق: بعشرة آلاف.

- أليس كثيراً؟

- السائق: يا عزيزي، البنزين غالٍ، هل تعلم بكم أصبح اللتر؟ والطرق مزدحمة و...

- حسناً حسناً، أنا موافق.

أثناء السير انحرف السائق عن الطريق المعتاد. فقال له: لماذا لم تدخل من هنا؟

- السائق: يبدو أنك غريب، هذا مدخل المنطقة الخضراء والدخول من هنا ممنوع.

- لكننا تركنا "حي الخضراء" خلفنا!

- السائق: لا، ليس حي الخضراء، بل المنطقة الخضراء.

- لم أسمع بهذا من قبل.

- السائق: إن المقصود بالمنطقة الخضراء المنطقة الرئاسية، بعد أن استبدلوها بهذه التسمية الجديدة، ربما لأنها فعلاً خضراء، والرؤساء، كما تعلم، لا يعيشون إلا في المناطق الخُضر. وقد أصبحت هذه الكلمة الجديدة كلمة رسمية استعملها السياسيون في تحليلاتهم، كأن يقولوا إن هذه المجموعة لا تدافع عن أي شيء لكنها تدافع عن وجودها في المنطقة الخضراء. إنها منطقة جميلة جداً وتستحق الموت من أجلها أو تستحق الحياة من أجلها. لا تقلق، بعد قليل سنعبر الشط.

- أيُّ شط؟

- النهر يا سيدي، ألا تعرف النهر أيضاً؟ هذا الذي يمر قرب الباب الشرقي.

- أليس له اسم؟ ألا تعرف أنه نهر دجلة؟

- لقد ذكَّرتني، كنتُ أقرأ في المدرسة أن دجلة والفرات نهران عظيمان يمران بالعراق. لكنني نسيت الآن، وظننت أن الأمر إشاعة، فمنذ أن ولدت لحد الآن توجد عندنا أزمة في المياه. وسمعتُ أيضاً أننا بلد نفطي، وسياحي... ولم أنسَ أن هذين النهرين ينبعان من البصرة ويصبان في تركيا، لكن هل نهر باب الشرجي دجلة أم الفرات؟ هذه نسيتها.

- إنه نهر النيل! وكفى.

الإشارات

كان العراقيون قبل الحرب يستعملون لغة رمزية في التعبير عن الممنوع سياسياً، فما كان بالإمكان أن يتكلم الشخص بصراحة. ولأن الكلام لا يُمكن أن يُمنع منعاً باتاً بين الناس، استعملوا لغة رمزية ليتواصلوا فيما بينهم. لكنهم الآن تركوها وأصبحوا يتكلمون علناً سواء كان كلامهم ذماً أو مدحاً أو تعبيراً عن انفعال. هذا لا يعني أنهم قادرون على الكلام بصراحة عن أية شخصية كيفما شاؤوا، فقد تحول المنع إلى منع اجتماعي لا رسمي، فسابقاً كان هناك قرار رسمي تنفذه جهات رسمية يمنع الكلامَ ويعاقب المتلكم، والآن ليس هناك قرار رسمي بقدر ما هو شعبي اجتماعي.

- أين ذهبت هذه التماثيل... و...؟!

- السائق: كأنك متردد من ذكر الاسم، لا تخف، لقد أصبحنا الآن نتكلم بصوت عال. على العموم جميع التماثيل قد أُسقطت، أما الصور فقد استُبدلت بغيرها، كما ترى.

بعد أن سارت السيارة مر رتل أمريكي مسرعاً فانحرف السائق بسرعة. فقال صاحبنا: ماذا يريد؟

- السائق: لا أدري ماذا يريد الجندي الأمريكي. إنه كثيراً ما يستعمل إشارة لا نعرف أيطلب بها أن نتوقف أو نسير؟ وكم أدى عدمُ فهمِ الإشارة إلى حوادث مؤسفة، إننا لا نفهم إشاراتهم. لكن التوقف أسلم.

- توقَّفْ، الضوءُ أحمر.

- السائق: لا، أنت فعلاً غريب. يا عزيزي هذا الضوء ما عاد يعني شيئاً.

- أنا لستُ غريباً كما تظن، فقد خرجت من العراق قبل مدة قصيرة، وأعلم أن الترفك لايت لم يكن محترماً كثيراً، لكنني أعلم أن هناك عقوبة لعدم الالتزام بالإشارات الضوئية. نعم، أعرف أن المسؤولين سابقاً، وما أكثرهم، ما كانوا يحترمون هذه الإشارات، وغيرهم من أصحاب الأموال أو أصحاب سيارات الأجرة الذين كانوا يضعون مبلغاً من المال في أيدي الشرطة إذا قالوا لهم: "الإجازة والسنوية"، مبلغ متفق عليه والكل راضٍ بنصيبه.

- السائق: ألا تفرح؟ لقد أصبحنا كلنا مسؤولين لا نلتزم بالترفك لايت. لقد ماتت الإشارات المرورية تقريباً في أول يوم من الحرب. ونشأ جيل يسأل عن معنى الأحمر والأصفر والأخضر؟ فيخبره الكبار أنها إشارات كانت - رحمها الله - تعني التوقفَ أو الانطلاق.

- ما دمنا نتكلم عن الإشارات، ما هذه الإشارة التي يُشير بها هذا الصبي؟

- السائق: إنه يلوح ببطل البيبسي البلاستيكي المقطوع الكعب والموضوعة في فوهته "صوندة"، أي أنه قمع مُصنَّع. هذا يعني انه يبيع البنزين هنا.

الصفات والأطفال

وصل إلى دار أخيه أخيراً وشكر السائق. وعندما دخل إلى الدار استقبلته عائلة أخيه استقبالاً جيداً. وكان مشتاقاً لجميع أفراد العائلة لاسيما أطفال أخيه.

- لقد كبروا. إن التغير في الأطفال يظهر عليهم أكثر من الكبار. هل ما يزالون يغنون "نَصرك... نصرك على العدوان الأمريكان يبقى للدوم شعبك منصور... هييه"؟

- الأخ: كلا، لقد تغير الحال كثيراً. لقد وقعت الحرب، وكانت "صدمة" أو "رعباً" أو "دهشة". ولا أحدثك عنّا نحن الكبار كثيراً بل أحدثك عن الأطفال. كانوا كما تعلم محبين للرئيس السابق حباً كبيراً، وما كان يمكن أن يكون غير ذلك بسبب المدرسة والبيت والشارع وكل مكان، وكان خوف الكبار من الأطفال أكبر من خوفهم من الآخرين. وبين ليلة وضحاها سمع الأطفال صفات تُنسب إلى القائد لم يتصوروا أنه بالإمكان أن يتصف بها، فاختل الميزان عندهم، وعلموا أنه شخص كأي شخص يُمكن أن يتصف بصفة أو ضدها. أهذا هو الأب القائد الحنون المنتصر المنصور المؤمن...؟! عجيب هل كان أهلنا يكرهونه؟ لماذا لم يُبينوا هذه الكراهية من قبل؟ ومَن هؤلاء الذين تجرأوا بالكلام عليه علناً وبالتلفزيون؟ أسئلة كثيرة لا جواب لها. وتنفس ملايين الكبار واختنق آخرون، لكن الكلام تحول من السر إلى العلن، لكن، بحسب المنطقة.

حواسم

- استغربتُ عندما دخلت في الشارع، لم يكن بجواركم هذا البيت الجميل. فمن هو هذا الجار الجديد؟

- الأخ: إنه حواسم.

- حواسم؟! ما معنى هذا؟

- إنها كلمة جديدة لم تسمع بها من قبل، حواسم مع جميع اشتقاقاتها: حوسم يحوسم... أنت تعلم أن الرئيس السابق قد أطلق على هذه الحرب الأخيرة كلمة "الحواسم" بمعنى أنها ستحسم الأمر، وقد حسمته فعلاً، لكن لا لصالحه، وقد تغيرت دلالتها شعبياً وأصبحت تعني السرقة أو الاحتيال أو كل ما هو غير شرعي.

وخرج الأخ إلى الخارج قليلاً، فإذا بالطفل يصيح: "عمو" حوِّل الكهرباء، جاءت الوطنية. فذهب صاحبُنا إلى "الميزانية" لكي يحول، فقرأ أحرفاً لم يفهمها، قرأ "م و س"، فقال في نفسه أنا لا أستطيع أن أفعل شيئاً خشيةَ أن أسبب ضرراً كبيراً في الكهرباء. وفي هذه الأثناء جاء أخوه، فحول الكهرباء، فسأله عن معنى هذه الأحرف، وقال له: لقد خمنت أن يكون حرف الواو يعني الوطنية، والميم مولدة، ولكن ما هذا السين؟

- الأخ: إنه يعني "سحب"، أي أننا نسحب الكهرباء من جارنا، أي نسحب التيار الكهربائي من مكان قريب، وذلك يعتمد قطع التيار الكهربائي في المناطق المتجاورة، ولك أن تفسر السين بما تشاء، سحب، سرقة، سر المهنة...

السيارات

وقد انتبه إلى سيارة أخيه، فقال له: إن رقمها أسود لا أبيض.

- الأخ: نعم إنها منفيس.

- وهل يوجد عندكم الآن رقمان.

- نعم، أبيض وأسود، لقد ظهرت كلمة المنفيس "المنفيست" والرقم. فبعد الاحتلال دخل عدد كبير من السيارات لا تحمل الأرقام القديمة. وتفرقةً بين السيارات التي دخلت حديثاً والقديمة استعملت كلمة المنفيس. المهم أن لا تكون حديدة.

- أليست جميع السيارات من الحديد؟

ضحك الأخ وقال: يعني بائعو السيارات بالحديدة تلك السيارة التي لا توجد أوراق رسمية لها، وعلى من يشتريها أن يتدبر أمره معها، ولكلِّ شيء سعر. أما إذا كانت "عمية" أو عمياء فسعرها سيكون مختلفاً.

- هل تعني أنها بلا لايتات؟

- كلا، بل هي تلك السيارة التي لا توجد فيها مواصفات معينة.

- كنتُ أنتظر منكَ أن تفهم الديمقراطية لا أن تفهم مثل هذه الكلمات.

- أنا لا أعرف كثيراً عن الديمقراطية، لكنني أظنها جيدة، إنها من الكلمات المستعملة بكثرة عندنا الآن، حتى أننا قد خلطنا بينها وبين الفوضى، وعند الغضب نلعنها ونقول أهذه هي الديمقراطية؟

مقابر جماعية

- الأخ: دعك من هذا، هل علمت أن أبا محمد جارنا قد ذهب يوم أمس ليبحث عن ابنه في المقبرة الجماعية؟

- مقبرة جماعية؟ وهل تكون المقابر فردية؟ إن المقابر دائماً جماعية كما أعلم، ونادراً ما توجد قبور منفردة؟

- لا، أقصد مقبرة جماعية... هي مقابر ليست رسمية، أماكن دُفن فيها أشخاص دفناً عشوائياً في الحرب الماضية، ما بعد عاصفة الصحراء أو أم المعارك أو تحرير الكويت أو الغوغاء أو صفحة الغدر والخيانة أو الانتفاضة الشعبانية.

- لقد فهمت، إنها تُشبه ما كنا نسمعه في أماكن عدة من العالم مثل البوسنة والهرسك، لكن ما لك قد خلطت الحابل بالنابل وذكرت لي أسماء كثيرة؟

- نعم، ذكرتُها كلها خشيةَ أن لا تعرف واحدةً منها. أما المقابر فنحن لا ندري كم أصبح عددها الآن، ففي كُل يوم تُكتشف واحدة جديدة. وقد سخر منها كثيرون ورفضوها بحجة أنه لا يمكن أن تكون هنا مقابر جماعية! وكيف تكون عندنا مقابر جماعية وقد كان الناس يُدفنون معززين مكرمين؟!

القتيل والشهيد

كان ينظر إلى إحدى الفضائيات وقد ذكرت أنه قد قُتل سبعة أشخاص في كذا منطقة. فقال لأخيه: هل هذا حق؟

- الأخ: دعك من هذه الفضائية، ألا ترى أنها تستعمل كلمة "قتيل" بدلاً من "شهيد". إنه موقف سياسي يجب أن تعرفه.

- لكنني أعرف أن الشهيد هو الذي قُتل في سبيل الله، لعلهم يقصدون ذلك؟

- إن هذه الفضائية لا تعد هؤلاء من الشهداء. وإجابةً عن سؤالك أقول لك إن الجميع متفق على أن الذي قُتل في سبيل الله شهيد، لكن ما هو سبيلُ الله؟! مات الآلاف والناس مشغولون بتحديد كلمة شهيد وقتيل وإرهابي ومقاوم، ثم ظهرت كلمة "مقاومة شريفة" تمييزاً لها عن المقاومة "غير الشريفة".

- لقد دخلنا في أسئلة تحتاج إلى نقاش طويل. لكن بعض الفضائيات تذكر كلمات مثل مهمَّش، مغيَّب، صفوي، أموي؟ فماذا معنى هذا؟

- هل تبحث عن معنى؟ يبدو أنك ستُتعبنا في الأيام الأولى. واختصاراً أقول لك: إن المهمش والمغيب كلمات استعملها كثيرون للتعبير عن شريحة كبيرة قد تم تهميشُها أو تغييبها سياسياً. ومن يقف ضد هذه الفكرة يقول إنهم غائبون لا مغيَّبون، فقد غيَّبوا أنفسهم بأيديهم، ولم ينته الجدال بعد. أما الصفوي فقد استُعملت للطعن في ولاء كثيرين أيضاً، بمعنى أن ولاءهم لدولة أخرى. واستعملت كلمة أخرى وهي "الأمويون" للطعن بأناس. واستعلمت كلمة صليبي أيضاً لوصف كثير من أبناء العراق. المهم أنها من الكلمات التي يُقصد بها إثارة الخصم والطعن في ولائه للوطن، هذا الوطن الذي يُفصَّل تفصيلاً بحسب الرغبات. لكن المهم أن الحكومة يجب أن تكون تكنوقراط.

- هل تعلمتم هذه الكلمة أيضاً؟

- إنها من الكلمات التي لم أسمع بها من قبل، وأنا رجل بسيط وثقافتي محدودة. أصبحت شائعة جداً، يبدو أنها جيدة، لعلها تُشبه الديمقراطية، على الأقل أن "القراطية" تجمعهما! وكلمة "قراط" ومشتقاتها حلوة، تذكرنا بسقراط وأبقراط وأمثالها من الكلمات. كيف لا تفهم معاني هذه الكلمات؟ لقد كنتَ مثقفاً، ولو أنك مهتم بالشعر وبحوره أكثر من غيره.

- ما علاقة هذا بالثقافة والشعر؟ ثم أن الحياة قد أنستني كثيراً من الأشياء ومنها الشعر والبحور، وبالكاد أتذكر بحر الطويل والرجز والمتدارك والمجتث.

- ماذا قلت؟ المجتَث؟ هل كان هذا البحر بعثياً؟

- ماذا؟

- أما سمعتَ بالاجتثاث؟ هذه الكلمة التي أثلجت صدور ملايين وأغضبت ملايين أخرى. قرار صدر بإجتثاث أعضاء الحزب، وطُبق ثُم تراجع مطبقوه عن كثير من فقراته. وسمعنا بأقسام لهم لم نسمع بها من قبل، بعثي أصلي، بعثي صدامي، بعثي مجبَر، بعثي مسالم، نظري، عملي، قديم، ودود، مظلوم...

الكورد والأكراد

تصفحَ إحدى الصحف فوجد كلمة "الكورد يطالبون..."، ثم قرأ صحيفة أخرى فقرأ الكلمة نفسها، فقال لأخيه: لماذا يكتبون كلمة الكورد؟ وهل يعنون بها الأكراد؟

- كان العرب يكتبون الكورد "أكراد" ويسمونهم بهذا الاسم، ولأمرٍ ما فضل الأكراد أن يستعملوا "الكورد" بدلاً منها، ربما لبلاغة في اللغة الكردية لا نفهمها.

- هل كان في استعمال العرب لكلمة الأكراد انتقاصٌ أو ذم؟

- لا أدري، وكلا الاشتقاقين موجود، لكن إذا قُلنا إن الأكراد كالأعراب، وأن الكُرد كالعرب، اختلف الحال. عموماً الكلمتان كلتاهما موجودة، ويقال إن كلمة الأكراد تعني جمع القلة، وهم ليسوا قليلين.

- أظن أن "واو" كورد تعني الضمة في العربية، فلماذا لا تُكتب "كُرد" بدلاً من "كورد"؟ لأن العرب سينطقونها بشكل مختلف إذا ما رأوا فيها واواً؟

- لا أدري، هكذا كُتبت الآن، وهذا ما فضله أصحابُها. فما رأيُك فيها؟

- رأيي أن نسمي الناس بما يريدون وما يحبون، وهل تكون الواو مفرقةً بيننا؟ إن الواو للجمع لا للتفريق. أما تقلب الأحرف والكلمات فمسألة طبيعية، وما داموا في الشمال يظنون أن هذا أفضل فسنكون معهم.

- ماذا قلت؟ الشمال. الآن لا تُستعمل هذه الكلمة رسمياً، بل تُستعمل بدلاً منها كوردستان.

- نعم، أنا أعلم أن كردستان أو كوردستان كلمة مستعملة، وكان يُقال كردستان العراق... لكن لفظة الشمال بحد ذاتها ليست سيئة.

- إن الشمال والجنوب وصف جغرافي ليس فيه دلالة أكثر من هذا، وهم الآن يفضلون استعمال كلمة ذات معان أعمق.

- لكننا نستعمل الشمال للأكراد وغيرهم أيضاً، ونستعمل الغربية لوصف المنطقة الغربية من العراق، ونستعمل الجنوبي والشرقي.

- وهل كانت تُستعمل كلمة "الشرقي" أو "الشروقي" (الشروكي) لتوصيف جغرافي أو مكاني أم تُستعمل للذم؟

كلدو آشوري

- لقد قرأتُ أيضاً في إحدى الصحف كلمة جديدة وهي "الكلدوآشوري"، وأنت تعلم أن معلوماتي بسيطة، أعرف أن الكلدان قومية وكذلك الآشوريون.

- إن المسيحيين كالمسلمين، ينقسمون على أقسام عدة لا يعرفها إلا المختصون، وما عليك إلا أن تنسب القومية إلى المذهب أو الطائفة وأضف إليها شيئاً من التاريخ حتى تحصل على أقسام كثيرة جداً. كاثوليك وبروتستانت وأرثذوكس وكلدان وآشوريون أو آثوريون وسريان ونساطرة ويعاقبة وسبتيون وإنجيليون... الخ مما لا أعرفه. وظهرت محاولة لجمع قوميتين مهمتين بقومية واحدة، ولاقت استحساناً عند بعض وأنكرها آخرون. المهم أن الاسم قد ظهر، سواء أرحب به أو لم يرحب.

- إنها محاولة جيدة إذا كان القصد منها التخفيف من حدة القومية وإفهام الناس أن لا فرق كبير بين القوميات، أو حتى بين الأديان.

- قلتُ لك إنني لا أعرف كثيراً عنها، أما تكفيني الحيرة بين العربي المسلم والكردي المسلم والسني العربي والشيعي العربي والتركماني الشيعي والتركماني السني والصابئي والمندائي واليزيدي والإيزيدي والسلفي والأصولي والوهابي والرافضي والصفوي والأموي...

- كفى، ما هذا؟

فدخل شخصٌ عليهما وقال: يا عم، لقد عرفنا العلاس.

- هذا أمر جيد.

- وما هذه الكلمة أيضاً؟

- إنها باختصار تعني "الدليل"، الشخص الذي يُدلُّ عصابة على اختطاف أو قتل أو سرقة. ولا عليك منها الآن، فأنت متعب وتحتاج إلى راحة، فنم ولنا في الصباح كلام آخر، فسنستيقظ غداً على زقزقة البنادق وتغريد السيارات المفخخة وسنسمع أغنية جميلة تبثها جميع الفضائيات:

قُتل استُشهد ماتَ خُطف اغتيل...... نحن أبناء البلد الجميل...

فيصل غازي مجهول

(المؤتمر، العدد (1510)، الخميس 31 كانون الثاني 2008).

author-img
فيصل غازي مجهول

تعليقات

google-playkhamsatmostaqltradent