recent
أخبار ساخنة

كتاب مهم جداً

طلب مني صاحبي أن أقرأ كتاباً كان قد أُعجب به إعجاباً شديداً.

(بعد ثلاثة أيام) سألني:

-هل قرأتَ الكتاب؟

فيصل مجهول

-قلتُ: نعم، قرأتُه، إنه كتاب اعتيادي جداً، ولا أدري لمَ أنت معجب به كل هذا الإعجاب؟

-قد تكون مخطئاً في حكمك هذا، أرجو أن تعيد قراءته.

-سأعيد قراءته. لكنني كنتُ قد كلفتُك بأن تجد لي عملاً، فالحال كما تعلم من سيئ إلى أسوأ. وهل أذكرك بمن أعيل، وبعلاج مريضنا و...؟

-لا تُكمل. أنا أعلم بحالك. وقد طلبتُ منك أن تقرأ الكتاب جيداً لأنك من محبي الثقافة والعلم، على الرغم من إيماني بأن ليس بالعلم وحده يعيش الإنسان.

(بعد أسبوع)

-هل قرأتَ الكتاب جيداً؟

-نعم، ولم يتغير انطباعي عنه.

-ما أعجبَ هذا الكلام! إن الكتاب كبير وشامل. أنت معذور لأنك لا تعرف مؤلفه؟ إنه شخص مهم جِداً جداً. ومثل هذا الشخص لا يمكن أن تصدر عنه كلمة واحدة غير مهمة.

-أنا أمام نص مكتوب وحسب، ولا علاقة لي بأهمية صاحبه. ثم من هو صاحبه؟ أنبيٌّ هو أم وليٌّ أم عالم أم فيلسوف أم شاعر أم ... ...

-ما هكذا تحسب الأمور، إنه قادر على إيجاد عمل لسبعين شخصاً في يوم واحد، وهذه معجزة يا صاحبي أو كرامة في زمن البطالة. أتمنى أن تكون غداً معي لنناقش كتابه مع مجموعة من المهتمين.

والتقينا، وكان الجالسون يمدحون الكتاب مدحاً لا مثيل له. وذكرتُ جزءاً قليلاً مما عندي من نقد له بتحفظ شديد، فإذا بهم يستغربون القول!

وأخبرني صاحبي أن مؤلف الكتاب قد وجد لي عملاً براتب ممتاز لمجرد سماعه بأنني قد قرأت كتابه. وكان عملي الجديد هو أن أُعرِّف بالكتاب، لا مدحاً ولا ذماً، تعريف وحسب.

(بعد شهر)

-قال صاحبي: لقد قمتَ بتعريف الكتاب، لكن هذا التعريف لا يكفي. يبدو أنك لم تقرأه كما ينبغي.

-لم أفهم.. أنا قرأتُه كما يُقرأ أي كتاب، وعرَّفته تعريفاً مناسباً.

-هااا... إنك بحاجة إلى بعض التوصيات لقراءته بشكل جيد. عليك أن تقرأ الفصل الأول في الصباح، والفصل الثاني في الظهيرة، والفصل الثالث مساء... وأبشرك بأن صاحب الكتاب قد وافق على نقل مريضكم لعلاجه في الخارج على نفقته الخاصة.

فرحتُ جداً بهذا الخبر. ثم قمتُ بقراءته بحسب التوصيات أو التعليمات، واكتشفتُ في الكتاب أشياء لم أنتبه إليها في قراءاتي السابقة.

(بعد سنة)

-أرى أنك لم تصل إلى أعماق الكتاب على الرغم من أنك الآن من المختصين به.

-نعم، فالأعماق تحتاج إلى مدة أطول.

-وتحتاج إلى مزيد من الجهد، عليك أن تقرأ المبحث الأول من الفصل الأول وأنت جائع، والمبحث الثالث من الفصل الثاني بعد الغداء، والفقرة الرابعة من الفصل الثالث قبل النوم بقليل. وأبشرك بأن صاحب الكتاب قد عينك رئيساً لمؤسسة نشر الكتاب.

(بعد خمس سنوات)

-أبشرك بأن صاحب الكتاب – رحمه الله – قد أوصى بأن تكون رئيساً لرؤساء مؤسسة نشر الكتاب.

(بعد عشر سنوات)

اختلف الورثة مع صاحبي على مسائل عدة، واستغنوا عن خدماته. وقد اطمأنوا لي اطمئناناً كبيراً، بعد أن أنشأتُ مدارس وجامعات لتدريسه، بفضله (رحمه الله) وبفضل ورثته (أمد الله في أعمارهم). وأصبحت مدنٌ بأكملها تعيش عليه، من العامل على جهاز الاستنساخ إلى المرشد السياحي الذي يرشد الناس إلى المكان الذي كان يعيش فيه صاحب الكتاب، والمكان الذي دُفن فيه. وانتعشت قربَ قبره محلات تبيع العطور التي كان يستعملها والملابس التي كان يلبسها...

(بعد عشرين سنة)

-قال صاحبي: ما رأيك الحقيقي بهذا الكتاب؟

-إنه كتاب عظيم.

-لكنه عادي جداً، لا إبداع فيه. وأنا أعرف صاحب الكتاب حقَّ المعرفة، فلا هو نبي ولا ولي ولا عالم ولا فيلسوف ولا شاعر ولا ... ولا ... ولا ...

-هل قرأتَه جيداً؟

-ما هذا؟ ألمثلي يوجه هذا الكلام؟ إنه كتاب عادي جداً ولو تكلمتَ عنه حتى الصباح، أليس هذا صحيحاً؟

-كنتَ تعطي توصيات بسيطة لقراءة الكتاب، أما أنا فقد تبحرتُ وتعمقتُ فيه وألفتُ مجلدات لكيفية قراءته. ويبدو أنك لم تقرأه جيداً، وكي تُدرك شيئاً من مغزى هذا الكتاب عليك أن تقرأ الكلمة الأولى من السطر الثالث من الفقرة الخامسة من المبحث الثاني من الفصل الأول في الأفراح، وأن تقرأ الكلمة الرابعة من ... في الأحزان. وأبشرك بأني قد وجدتُ لك عملاً يليق بك في إحدى مؤسساتي.

فيصل غازي مجهول

(نجم المشرق، العدد (56) السنة الرابعة عشرة (4) 2008).

author-img
فيصل غازي مجهول

تعليقات

google-playkhamsatmostaqltradent